8
سبتمتبر
2025
المسعف في مرمى الاتهام جريمة إنسانية مغلّفة بالشكوك!!! بقلم جعفر محيي الدين/ النجف
نشر منذ 12 ساعة - عدد المشاهدات : 42

حين يهرب الجميع بعيداً عن مسرح الجريمة، يركض المسعف نحوه لا يسأل عن هوية الجاني، ولا عن تفاصيل الخطر بل يسأل نفسه سؤالاً واحداً هل هناك نفس ما زالت تنتظر من ينتشلها من الموت؟ لكن المفارقة المؤلمة أن هذا الإنسان الذي مدّ يده لينقذ، يجد نفسه سريعاً في قفص الاتهام، يتحول حضوره في اللحظة الحرجة إلى شبهة، ومبادرته إلى جرم والتحقيقات تبدأ معه لا حوله..!!

في شوارعنا حيث الدقيقة تصنع الفارق بين الحياة والموت، يخرج من يسمّى شعبياً {المسعف} ليقدّم وقته وجهده بلا مقابل، غير أن هذا الدور النبيل لم يعد يُقرأ على أنه واجب إنساني، بل صار في نظر بعضهم مدعاة ريبة !! لماذا كان أول الحاضرين؟ لماذا لمس المصاب؟ هل هو متورط؟ وكأن فعل الرحمة صار قرين التهمة، وكأن سرعة البديهة باتت قرينة الجريمة.!!

التحقيقات غالباً ما تنطلق من أسهل فرضية {الأقرب للحادث هو الفاعل} هكذا ببساطة دون عناء البحث أو التدقيق، وكأن قرب المسعف من المصاب جريمة بحد ذاتها، والأمر لا يقف عند جرائم القتل فقط، بل يمتد إلى الحوادث المرورية التي تملأ شوارعنا يومياً، وهي الأخطر والأكثر شيوعاً كم من مسعف هرع لإنقاذ مصاب في حادث سير، فوجئ بأن الشرطة تستجوبه على أنه طرف متورط!! وهكذا يتحول فعل الشهامة إلى محضر تحقيق، وتُفرغ الإنسانية من معناها في لحظة كان الأولى أن تُحيا فيها.

ولا يمكن إغفال الدور الكبير للعشائر في هذا السياق، فهي ما زالت تمثل مرجعية اجتماعية راسخة في حل النزاعات وردع أصحاب النفوس الضعيفة، كثيراً ما تكون كلمة العشيرة الفيصل الحقيقي في تبرئة المسعف، وإعادة الاعتبار له أمام المجتمع، لأنها تدرك أن المعروف لا يُقطع، وأن الشهامة لا تُعاقَب، ومن مجالسها تنطلق نواة الإصلاح، ومن أعرافها تُستمد قوة الردع ضد من يحاول استغلال الموقف أو اتهام البريء، فحين يكون القانون متأخراً يبقى لسلطة العشيرة أثرها في حماية من اختار أن يمد يده لإنقاذ الآخرين.

النتيجة الطبيعية لهذا المشهد أن كثيرين باتوا يترددون في مدّ يد العون، يخشون أن يُستدعوا إلى التحقيق أو أن يقضوا أياماً طويلة في المحاكم لإثبات براءتهم من تهمة لم يرتكبونها أصلاً وهكذا ينزف المصاب في الشارع بينما ينشغل المارة بالتصوير أو الفرار، في حين يلوذ أصحاب الشهامة بالصمت خوفاً من مصير مجهول والمطلوب ليس فتح الباب أمام الفوضى أو منح براءة مطلقة لأي شخص يقترب من الضحايا، بل إصدار تشريعات واضحة تحمي المسعف النزيه، وقانون صريح يضعه في خانة الشاهد أو المنقذ إلى أن يثبت العكس، مع تدريب جاد لأجهزة الأمن على التفرقة بين الأدلة الجنائية وردود الفعل الإنسانية، وحملات توعية تعيد للمجتمع ثقته بالمسعف وتؤكد أنه خط الدفاع الأول في لحظة الخطر، بل والأهم تكريم من يغامر بوقته وسمعته من أجل إنقاذ الآخرين بدلاً من تعليقهم على مشانق الشك.

كل يوم يتأخر فيه صدور قانون يحمي المسعف، هناك حياة تُزهق بلا داعٍ، وكل لحظة يظل فيها الشارع خالياً من الشجعان، تُكتب شهادة عجز لمجتمع بأسره، فهل نصحو قبل أن تفرغ الطرقات من ضميرها؟ أم سيبقى الجهل سيّد الموقف، ويُكافأ الخوف بالصمت، ويُترك الخير يموت دون أن يجد من يدافع عنه.

 


صور مرفقة






أخبار متعلقة
تابعنا على الفيس بوك
استطلاع رأى

عدد الأصوات : 0

أخبار