![]() |
|
|
1
ديسمبر
2025
|
حين تدار السياسة بمنطق السوق ...جعفر محيي الدين / النجف
نشر منذ 2 ساعة - عدد المشاهدات : 79
|
في كل دورة حكومية جديدة تكرر نفس التصريحات بينما الحقيقة انها تجري في مكان آخر تماماً وما يجري خلف الكواليس أخطر بكثير مما يظهر أمام الكاميرات ، بينما الثقل الانتخابي حل محل الثقل العلمي والتحالفات المؤقتة اصبحت بديلة عن الرؤية الوطنية والولاء للأشخاص بعيدا عن الولاء للوطن وهذا ليس تشكيلاً لحكومة بقدر ما هو توزيع لمواقع نفوذ ، ويعد مشهدا لا علاقة له بتشكيل الحكومة انما شبيه بتوزيع غنائم لأنه مبني على منطق قبلي وانتخابي أكثر مما يكون منطق الدولة.
القيمة اليوم تقاس بعدد الأصوات والقدرة على الحشد الجماهيري لا بعمق الخبرة ولا بوزن الكفاءة ،انما الشخص الذي يملك تأثيراً عشائريا أو قاعدة انتخابية ضخمة يكون هو الأقرب إلى السلطة بينما أصحاب الاختصاص الذين يساهمون في بناء الدولة ، يعيشون خارج المشهد وبعضهم خارج البلاد كلها بينما العالم يحتاج الى خبراتهم ، اما والعراق فهو يبتعدوا عنهم وهذه وحدها علامة خطيرة لا تحتاج إلى شرح طويل.
تحول الحكم إلى ساحة تدار بعقلية السوق جعل القرار السياسي أسيراً لرغبات المتنفذين والتجار حتى أصبح النفوذ الاقتصادي مقدمة للنفوذ السياسي وتراجع كل ما له علاقة بالمهنية لصالح الولاء والعلاقات الشخصية لتتحول الدولة عملياً إلى منظومة تعمل بمنطق من يملك جمهوراً أكبر فيستحق منصباً أكبر، وما يجري اليوم ليس مجرد فشلاً عابراً انما تفريغ لبناء الدولة من عقول أبنائها دولة تعتمد على العشيرة والتجارة وكسب الأصوات ، بدل العقل والخبرة هي دولة تتنازل طوعاً عن أهم عناصر قوتها بينما الدول التي تحترم قرارات شعوبها تنهض بالعقول وسريعاً تنهار حين تستبدل الكفاءات بالأصوات.
وفي خضم هذا الواقع أتذكر حلقة مهمة تحدث فيها الدكتور (عـلاء الـخطـيـب)عن هذه الحقيقة نفسها طرح الفكرة بعمق وفلسفة واقعية صريحة وشرح كيف أن إدارة الدولة أصبحت تشبه السوق تماماً من يمتلك زبائن أكثر يحظى بموقع أعلى كان كلامه يومها يوضح الكثير من الأمور المبهمة على البعض ويكشف الصورة كما هي دون تجميل وما قاله ينسجم تماماً مع ما نراه اليوم دولة تستبعد العقول وتستسلم لثقل الأصوات في طريق لا يمكن أن يقود إلى استقرار أو نهوض ما لم تتغير قواعد اللعبة من جذورها ولم يكتف بوصف المشكلة انما طرح مجموعة حلول يمكن أن تعيد السياسة إلى مسارها الصحيح وتنهض بالدولة كما يليق بالعراق ، ومن بين أهم تلك الحلول تأكيده على ضرورة فصل النفوذ الاجتماعي عن القرار السياسي بحيث يمنح المنصب لمن يمتلك القدرة الحقيقية على إدارة الملف، لا لمن يملك قدرة أكبر على الحشد الجماهيري اعتبر أن هذه الخطوة وحدها كفيلة بإعادة الروح للعمل الحكومي، لأن السياسة حين تبنى على الكفاءة لا على الثقل الانتخابي حينها تستعيد الدولة مكانتها وتستقر إدارتها.
