![]() |
|
8
يوليو
2024
|
العمالة العراقية .. الواقع .. التحديات .. آفاق المستقبل ..بقلم : نعمة العبادي/ النجف
نشر منذ 7 شهر - عدد المشاهدات : 389
|
على الرغم من الدلالة الواسعة لمفهوم
(العمل والعامل) في أصل اللغة ، حيث ينطبق على كل من يقوم بعمل ذي معطى مادي او
معنوي مقابل أجور أو بشكل طوعي إلا أن هذا المفهوم تضيق ليشمل طبقة محددة في مقابل
الموظفين و التجار و فئات أخرى ، أخرجت من دائرة الدلالة و قد أهتمت الأدبيات
الماركسية و عموم اليسار بهذا المفهوم ، و كان أحد محاور حركتها الفكرية و
السياسية مع أن أجيالها الجديدة ، ذهبت الى صيغ توفيقية بعد نكوص بعض التجارب
الشيوعية .
بعيداً عن النقاش المفاهيمي ، تعنى هذه
المقالة بواقع العمالة العراقية (بحسب المفهوم المتداول) و تنظر في تحديات الواقع
، و تؤشر لها و تحاول تلمس بعض المقاربات التي يمكن أن تساهم في مواجهة هذه
التحديات و تحسين واقع العمالة .
يعد العراق اليوم من أكبر أسواق العمل
نتيجة ل (معدل مستوى الدخل لغالبية أفراد المجتمع ، حجم الطلب المتزايد على
العمالة جنون النزعة الإستهلاكية الرفاهية الوهمية ، توسع قائمة الضرورات) ، و
التي يمثل بعضها ظروف موضوعية لخلق فرص عمل كبيرة ، فيما يشكل الجزء الآخر (غير
الموضوعي) ، على الأقل (أسباباً دافعة) لمزيد من الطلب على العمالة .
و في ظل سلسلة من الظروف و السياسات
التي مر بها البلد ، تكاد تكون كل السلع مستوردة ، فحتى خطوط الإنتاج الصغيرة ليست
بمستوى المنافسة مع المستورد لجهتي الجودة و السعر ، فضلاً عن التلاشي التدريجي
للمصانع و المعامل و ورش العمل ، بل و حتى المحلات البسيطة التي كانت تقدم بعض
الأعمال ، مثل الخياطة و صيانة الأجهزة و المعدات ، صارت من الماضي و استبدلت
ببوابات جديدة للمزيد من بيع السلع ، و هكذا تناقصت ساحات العمل (بعمالة عراقية)
لصالح عمالة أجنبية معظمها غير شرعي ، يتقدمها البنغاليون و الباكستانيون و الهنود
و السوريون و الأيرانيون و جنسيات أخرى ، فهذا النوع من العمالة مفضل بشكل كبير
عند أرباب العمل ، بل و حتى لدى المواطن ذي الحاجة المحدودة لجهة ( رخص الكلفة ،
جودة العمل ، قدرة التحمل ، سلوك العامل ، حجم التبعات المترتبة على العمل ، ضمان
الأستمرارية و دوام العمل ، الجوانب الإجتماعية المتعلقة بطبيعة التعامل مع العامل
، ضمان سرية و حفظ خصوصيات العمل) ، الأمر الذي بلور جملة ذات صدى و أيقاع عالي
الصوت ، عندما تسأل رب العمل عن سبب عزوفه عن العامل المحلي ، يجيب بلا تردد :
"شلي بشلاع الگلب" و هي إشارة تكشف التذمر و العزوف عن العمالة المحلية .
يتجه العراقيون بمختلف (توجهاتهم ،
أعمارهم ، درجة تعلمهم ، خبراتهم و قدراتهم) الى التوظيف في القطاع العام ، فهناك
قناعة راسخة لدى معظم المجتمع ، أن الدولة ملزمة بتوظيف الكل ، سواء كانوا ضمن
الحاجة أو خارجها ، و تعد الوظيفة في نظرهم المستقبل الآمن و الحاضر المريح ، لكونها
توفر راتباً مستقراً شهرياً بغض النظر عن مقداره ، كما أن العمل في الوظيفة مريح و
غير متعب ، فضلاً عن الضمانات الأخرى مثل التقاعد و الحصول على القروض و السلف و
المكانة الأجتماعية ، و الخطير في الموضوع ، حتى الذين يلتحقون بالوظيفة بعناوين
يفترض أن يكون منتجها نحو من العمل ، مثل الأقسام الفنية و الصيانة و عمال الخدمة
، يتصرفون كموظفين مكتبيين ، و تضطر المؤسسات الى إستئجار خدمات عمل من خارج
الدوائر ، و هكذا نحن أمام قطاع عام ، هو الأضخم عالمياً بالقياس الى نسبة السكان
، و حجم الميزانية التشغيلية المخصصة له .
تواجه العمالة العراقية جملة تحديات و
معوقات تتمثل في الآتي :
- العزوف النفسي لدى معظم العمال عن
فكرة العمل ، نتيجة لغياب الضمانات المستقبلية ، و عدم إستقرار سوق العمل و غياب
التجسيد الواقعي للقوانين في حياة العمل ،
و الركون الى راحة الوظيفة خاصة و أن هناك سمعة مركوزة في الأذهان بأن الموظف
العراقي معدل عمله الحقيقي لا يتجاوز ال ( 60 ) دقيقة في اليوم و حجم مردوداتها ،
فضلاً عن خلل المنظور الإجتماعي للعمل مقابل صعود نجم الوظائف .
- تناقص الخبرات بل تلاشيها ، فلم نعد
نسمع بالحرفيين و أصحاب المهارات إلا ما ندر ، و لم يعد لصغار العمل رغبة التعلم
لدى (الأسطوات الكبار) ، فكثيراً ما كررت نحن لسنا أمام بطالة ، بل أمام عمالة
ليست ذات خبرة ، فما أكثر حاجات العمل الموجود في المجتمع مقابل الخبرات المحدودة
، و يظهر ذلك جلياً بحجم الطلب الكبير على الأشخاص الذين يقدمون أعمالاً بخبرات
جيدة ، فمثلاً عليك أن تنتظر الدور لأشهر حتى تحصل على فرصة عند (خياط ماهر ، أسطة
بناء أو تطبگ سيراميك أو عموم الأرضيات ، كهربائي ، مصلح سيارات ،....)، الأمر
الذي يكشف أن الخلل في نوع الخبرات و ليس في فرص العمل ، و في سياق هذه النقطة ،
أشير الى ذوبان و تلاشي فكرة المدارس و الأعداديات المهنية ، مثل الصناعة و
الزراعة و التجارة و المعاهد الفنية ، و التي كان مشروعها بالأساس موجه لإنتاج
عمالة ذات خلفية علمية جيدة و مهارات عملية ، لتكون مناسبة لسوق العمل ، إلا أن
هذه الأعداديات و مع أحترامي للأستثناءات المحدودة ، صارت فرصة لمن لا يفلح في
الدراسة بالمدارس الثانوية و الكليات ، و كذلك لتحصيل شهادة تساعد الموظفين ممن
ليس لديهم شهادة ، في تحسين رواتبهم و تعديل أوضاعهم الوظيفية ، الامر الذي أنعكس
على طبيعة الدراسة و مخرجاتها ، و هي قصة حزينة تحتاج مقالات منفصلة .
- نوع التربية و نمطها للأجيال الحالية
و التي لم تعد مؤهلة للإنخراط بالعمل ، و تحمل المتاعب البدنية ، فضلاً عن مزاجها
الصعب و المتوتر ، و الذي يجعلها غير مرغوبة في سوق العمل .
- قلق اصحاب العمل من التداعيات التي
قد يتحملها جراء أي حالة أحتكاك مع العامل العراقي ، مثل الفصل العشائري و المشاكل
الإجتماعية ، مما يجعلهم يفضلون العامل الأجنبي .
- وجود وفرة كبيرة من عمالة أجنبية
معظمها غير مرخص ، بكلف عمل بسيطة و أنتاج أكبر و مهارات أفضل و تداعيات أقل لذلك ، فالعامل الأجنبي مفضل
خصوصاً في الكثير من الأعمال التي يأنف العامل العراقي العمل بها ، مهما كان مستواه الإجتماعي و حاجته للمال .
أن هذه التحديات و المعوقات ليست
الوحيدة التي تواجهها العمالة العراقية ، بل هناك مصفوفات أخرى لكننا أقتصرنا على
العوامل الأبرز ، و في ظل هذه التحديات نحن أمام واقع و مستقبل خطير للعمل في
العراق ، أقل ما يقال فيه ، هو الإعتماد الكلي على العمالة الأجنبية ، و الكل يعرف
تداعيات هذا الخيار و ليس الخليج عنا ببعيد .
و من أجل تحسين واقع العمالة العراقية
نقترح الآتي :
- توجه الدولة (تخطيطاً و تنفيذاً)
بإتجاه تشجيع و تطوير الصناعة و الزراعة ، و إنشاء المعامل الكبيرة و خطوط الإنتاج
الضخمة و إحياء المعامل و المصانع المندثرة ، الأمر الذي يوفر فرص عمل كبيرة ،
تساهم بدورها في تنويع مصادر الواردات المعتمدة كلياً على النفط ، و تقلل من الإعتماد في الإستهلاك على الخارج .
- وفي موازاة النقطة السابقة ، ضرورة
العمل على إعادة المدارس و الأعداديات و المعاهد التي أسست لإنتاج عمالة مهنية ذات
خبرة ، و تحسين و تطوير مناهجها ، و إجراء أختبارات مناسبة كشرط للقبول فيها ، مع
إعطائها فرصة مضمونة للعمل في هذه المصانع و المعامل ، و كذلك إلزام القطاع الخاص
بحصة عمل لخريجي هذه المعاهد و المدارس .
-إصدار القوانين و التشريعات الكفيلة
بضمان حقوق العمال و توفير بيئة عمل آمنة لهم فضلاً من عن حقوقهم التقاعدية ، و
تشجيع النقابات المهنية لتأخذ دوراً حقيقيا في الدفاع و رعاية حقوق العمال بعيداً
عن الأنشغال بجمع الأشتراكات و الصراعات على المناصب و السفرات الخارجية و غيرها
من المظاهر التي لا صلة لها بعمل النقابات (مع خالص التقدير للمخلصين) في.
- تشديد القيود على العمالة الأجنبية و
حركتها ، و الأقتصار على الضروري منها .
- تشجيع ثقافة حب العمل و كرامة العامل
و أهميته في المجتمع من خلال الإعلام و المنابر ،
و كذلك تضمين المناهج الدراسية ما يشجع على هذا التوجه .
أرجو أن تكون هذه السطور مقبولة كتحية تقدير و إحترام للعمال في
يومهم العالمي .