منذ أكثر من عشرين سنة على سقوط النظام السابق، والبلد ما زال يعيش دوّامة لم تنتهِ، دوّامة تبدأ مع كل موسم انتخابي وتنتهي بصوت خافت يتهامس به المواطن حتى وهو في أكثر أوقاته خصوصية في الحمّام مثلاً، حيث لا يجد أحداً ليسمع شكواه إلا جدران البلاط الباردة

الانتخابات اليوم ليست مجرد أوراق تُرمى في صناديق ولا أصوات تتصاعد في عدّادات إلكترونية، بل هي حكاية طويلة من الندم، من الضحك الممزوج بالدموع، ومن التساؤلات التي لا تهدأ هل يستحق الأمر إعادة التجربة؟

هناك من يضحك على نفسه لأنه شارك من قبل، ثم يضرب كفاً بكف حين يتذكر كيف خُدع بالشعارات اللامعة والوعود الذهبية، ليكتشف لاحقاً أن كل ذلك لم يكن سوى {عرض خاص} من نفس البضاعة القديمة وهناك آخرون لدغوا من نفس الجحر أكثر من مرة، حتى باتوا يرددون المثل بمرارة أليس المؤمن لا يُلدغ من الجحر مرتين؟ لكن يبدو أن بعضهم احترف اللدغات وكاد يصاب بالجنون

الانتخابات في العراق اليوم ليست حدثاً سياسياً عابراً، بل أشبه بمسرحية متكررة تتغير فيها الأسماء أحياناً لكن يبقى النص واحداً، والجمهور نفسه يجلس في المقاعد ذاتها، يضحك حين يجب أن يضحك ويصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ثم يعود إلى بيته وهو يتمتم هل أنا حقاً من قررت؟ أم أن القرار مكتوب مسبقاً؟

ومع ذلك، تبقى الانتخابات  رغم كل السخرية التي تحيط بها فرصة يراها البعض أملاً، حتى لو كان أملاً معلّقاً بخيط واهن، فهناك من يؤمن أن التغيير لا يولد من المقاطعة بل من خوض التجربة مهما تكررت الخيبات، وهناك من يصرّ على أن المشاركة لا تزيد إلا الطين بلّة، فيكتفي بالمراقبة من بعيد

لكن السؤال الأكبر الذي يتردد اليوم في الشوارع والمقاهي، وفي الدواوين وحتى في الحمّامات هو إلى أين يمضي هذا البلد؟ هل ستظل الانتخابات محطة استراحة قصيرة على طريق المعاناة الطويل؟ أم ستكون بداية لتحول يوقظ الشعب من غفوته الطويلة؟

في النهاية، ما يجمع العراقيين جميعاً أن هذا الموسم الانتخابي ليس مجرد موعد على ورقة تقويم، بل مناسبة للسخرية من واقعهم أولاً، وللتفكير الجاد ثانياً، لعلّ الضحكة هذه المرة تكون مقدمة لصوت مختلف، يكتب فصولاً جديدة غير تلك التي سئم الجميع من تكرارها.