29
يونيو
2025
|
من كربلاء إلى غزة: دمٌ يحرس الصلاة ،،،،،عبدالعظيم حالوب/هولندا
نشر منذ 7 ساعة - عدد المشاهدات : 93
|
في التاريخ لحظات لا تمرّ، لا تشيخ، لا تذبل. بل تظل حيّة في وجدان الأمة، تتأهب المضي من صفحة إلى أخرى، ومن جيل إلى آخر، كأنها تصرّ على أن تُروى. من تلك اللحظات الخالدة، مشهد الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، وهو يؤدي الصلاة في صحراء اسمها كربلاء. السهام تتساقط كالمطر، جسده طاهر ساجد لله، تحيط به قلوبٌ طاهرة ونفوسٌ ابية.
من بين هؤلاء الشموس عبدٌ يدعى عبد الله بن سعيد الحنفي — ذاك الرجل الذي تجلّى فيه الإيمان حتى صار جسده درعا كالقنفذ تتقاذفه السهام. وقف يحرس الحسين وأصحابه في صلاتهم، غير آبهٍ بوابل السهام والرماح. كان معهم يصلي وإن لم يستقبل القبلة. وكان معهم يكبر ويتمتم ومعهم يهلهل ويعظم, فصلاته ليست سائر الصلوات. صمد بشجاعة، ودافع عن الركعة والسجدة ودافع عن الفاتحة والتسبيح,دافع عن الحسين. استُشهد عبد الله وهو على ذلك الحال، على سجادة الدماء، ليكتب للتاريخ: "هكذا تُصان الصلاة، وهكذا تحمي الحرمات."
واليوم، بعد أكثر من أربعة عشر قرنا، تتكرر الحكاية بأسماءٍ أخرى، في بقعة أخرى وحالٍ آخر من هذه الأرض المثخنة بالجراح: غزة, هناك حيث يُصلي الناس تحت أغشية الدخان، ويفترشون سجادةً للصلاة تدعى الدماء. هناك،رجالٌ يزاولون ما يتوجب فعله, كما فعل عبد الله الحنفي. رجال قلدوه في الفعال من باسٍ وشجاعةٍ ومروءة, وإن كانوا ربما لا يعرفونه ولم يسمعوا به يوماً، لكنهم حمو الكرامة والحق والصلاة. فعلوا كما كان يفعل.
غزة هي كربلاء هذا العصر، لا لأنها تشبهها في عدد القتلى أو في قسوة العدو، بل لأنها تُقاتل وحدها. نعم، بين عبد الله الحنفي وصناديد غزة جسرٌ من المعانى, جسرٌ من صدق المواقف. فكلاهما لم يعرفا إلا جهة واحدة للقبلة: الله. وكلاهما طعنهما الطغيان وهم يؤدّون الصلاة، وكأن الصلاة وحدها هي من تزعج الطغاة.
وإذا كانت ذكرى عاشوراء قد علّمتنا أن لا نساوم على الحق، فإن غزة تعلمنا اليوم أن الأمل لا يُقصف، وأن الدم لا يُهزم، وأن الشهداء لا يموتون، بل يرفعون صوتا مدوياً حين يصمت العالم./انتهى
صور مرفقة