![]() |
|
4
يونيو
2025
|
البصرة.. مدينة النفط و الظمأ / الصحفي عبدالعظيم حالوب
نشر منذ 2 يوم - عدد المشاهدات : 77
|
في
مدينة البصرة، حاضرة جنوب العراق وثاني أكبر مدنه، يبدو المشهد أكثر من متناقض؛
مدينة تجلس على بحر من النفط، وتحتها أعماق من الثروات، لكنها تُعاني من أزمة مياه
خانقة، ما بين شحّةٍ في الإمدادات وبين
تلوث يهدد حياة أكثر من اربعة ملايين انسان.
منذ
سنوات طويلة، أصبحت مياه الإسالة في البصرة حديث الأهالي اليومي، ومصدر معاناة مستمرة،
خصوصاً فصل الصيف، إذ تتفاقم الأوضاع، وتتحول المياه التي يُفترض أن تروي العطش و
هو حق طبيعي تنازل عنه المواطن البصري منذ تسعينات القرن
الماضي وارتضى باستخدامه للغسل والاستحمام ,
الى مياه ملونة لا تصلح اليوم
للاستخدام البشري والحيواني على حدٍ سواء.
أمراض جلدية , حساسية, تهيج و طفح جلدي.
مشكلة
أعمق من سوء التنقية
يتصور
البعض أن مشكلة المياه في البصرة تكمن في
سوء تنقية المياه فحسب, فيما هي تمتد
إلى البنية التحتية المهترئة. فشبكات نقل
المياه التي تملأ المدينة، عبارة عن أنابيب صدئة، مضى على وجودها عقود من الزمن
دون صيانة جذرية أو استبدال حقيقي. وهكذا تصلك
المياه بلونٍ مائل للصفرة أو البني
… رائحة تزكم الأنوف.
هذه
الأنابيب المتهرئة و المتآكلة أصبحت بيئة مثالية لتسرب الأطيان والرمال والديدان
وحتى الكائنات الحية الدقيقة التي تجد طريقها بسهولة إلى داخل شبكة المياه. وقد
تتداخل معها مياه الصرف الصحي..! المواطن البصري اليوم لا تبلغه مياه بل مزيج من
الأشياء…! وعليه فإن مياه الاسالة الملوثة والشحيحة في البصرة مشكلة لا يقتصر حلها بتوفير محطات تحلية في
المحافظة, بل إيجاد سبل عملية جادة في استبدال شبكة توزيع المياه في عموم البصرة.
المشروع الذي يفترض انجازه منذ عقود. المعضلة التي تبدو للمتابع ككرة ناريةٍ
تتقاذفها الحكومات المتعاقبة فيما
بينها.عجز حكومي، وإهمال متراكم.
الأنابيب
الممزقة... بوابة التلوث
معروف
أن آلية نقل المياه المعالجة تبدأ من محطات التحلية إلى شبكة التوزيع عبر أنابيب
الإمداد الرئيسية وهكذا تصل المياه إلى
المنازل والمرافق العامة. وتمتد هذه الشبكة على مسافات شاسعة تغذي ملايين
المواطنين. من المؤكد أن عملية استبدال
هذه الشبكة ليست بالأمر الهين من حيث الكلفة ومدة الإنجاز, ومن المؤكد كذلك
أن هكذا مشاريع لا يمكن تنفيذها دفعة واحد ولكن من المؤكد ايضاً أن المواطن البصري
له الحق في حياةٍ كريمة ومياهٍ نظيفة. فمهما تفاقمت الصعوبات وتراكمت العقبات إلا
أن المواطن البصري جميل ويستحق ان يسعد في حياته وتتوفر له أبسط سبل الحياة
وأخطرها… المياه.
تدخلات
غير حكومية في حل الأزمة
وما
لا يٌغفل عنه, ان العتبة الحسينية قامت مشكورةً بإنشاء 5 محطات (R.O) في مناطق متعددة من البصرة مثل أم قصر،
والفاو، وسفوان، تضخ المياه المعالجة مباشرة في شبكة الإسالة العامة”. لكن هذه
الجهود غير الحكومية رغم أهميتها, لا يمكن أن تحل مشكلة حجمها كحجم مدينة البصرة.
واليوم
مع تفاقم هذه الازمة الخدمية وبلوغها مستوى الخطر, أمام حكومة البصرة مهمة تاريخية
تحسب لها لو تم بالفعل إنجاز مشروع محطة
التحلية الذي جرى الحديث عنه مرات عدة
والذي من المفترض أن ينتج مليون متر مكعب من الماء RO يصل
إلى حوالي أربعة ملايين مواطن. لو أنجز هذا المشروع بالفعل فسنكون قد بلغنا منتصف
الطريق, ويبقى موضوع شبكة التوزيع النصف الآخر,الأمر الذي يستحق المتابعة وعدم
التغاضي. فبقاء هذه الأنابيب المهترئة دون استبدال مع محطة مياه تحلية كبيرة, كما
لو أنك سكبت مياه نقية في وعاءٍ تعلوه القاذورات.
البصرة هذه الحاضرة الغنية هي أكثر مدن العراق تلوثاً
. تلوث في المياه , تلوث في التربة, وتصحر
يثير الريبة و آثار حروب مزلزلة, وتدهور بيئي جراء التغير المناخي, مع ارتفاع غير معقول في درجات الحرارة تصاحبه شحة في المياه والأمطار, وارتفاع نسبة
الرطوبة ناهيك عن المدّ الملحي الذي يتسبب بتقدم المياه المالحة عبر شط العرب إلى
الأراضي الزراعية ومصادر مياه الاسالة، ونقص الإطلاقات المائية..مشاكل أزلية
تعاني منها محافظة البصرة تتفاقم مع كل موسم صيف. أزمة مياه البصرة ليست
فقط أزمة خدمية، بل تمتد لمأساة إنسانية
كارثية متواصلة. هي عنوان لفشلٍ متراكم في التخطيط، والتنفيذ،
والاهتمام. بالمقابل تُصدر هذه المدينة النفط للعالم ليصل خيرها حتى
أقاصي البلاد، يُكابد أهلها للحصول على أبسط حقوق الحياة…ماء نظيف لا يقتلهم
ببطء./انتهى