![]() |
|
9
يونيو
2025
|
من ميسان إلى الذاكرة العراقية:حطّاب إدهيم... شاعرٌ تظلله ثلاثية الحب والوطن والإنسان
نشر منذ 14 ساعة - عدد المشاهدات : 82
|
ميسان / المرسى نيوز/ حيدر السعد
في مدينة المجر الكبير بمحافظة ميسان،
نشأ شاعرٌ ظلّ وفيًا للكلمة، ممسكًا بخيط الشعر الممتد من الحزن إلى الأمل، ومن
الذات إلى الوطن، إنه حطّاب إدهيم، الذي نسج من حياته ديوانًا متواصلًا لا يحدّه
زمن، ولا تقيده قوالب أو ظروف.
بداية من رحم الحزن:
وُلد إدهيم عام 1940 في بيئة قروية
غنية بالتفاصيل، حيث ينساب نهر دجلة بهدوء، وتُولد المشاعر في حضن الطفولة. كتب
أولى قصائده في الصف الأول المتوسط إثر وفاة والدته، وكانت ستة أبيات مؤثرة قدّمها
بدلًا عن موضوع إنشاء. المفاجأة أن أستاذه أعفاه من الامتحان تقديرًا لتلك الكلمات،
وكانت تلك اللحظة، كما يصفها، "الشمعة الأولى في درب الإبداع" التي لم
تنطفئ أبدًا.
هوية شعرية متفردة ووفاء للعمود:
في زمن انصرف فيه كثير من الشعراء إلى
الحداثة والتجريب، ظلّ حطّاب إدهيم مخلصًا للقصيدة العمودية، معتمدًا على الوزن
والقافية، اللذين يعدّهما أساسًا فنيًا لا يمكن التفريط فيه. يقول: "الشعر
العمودي هو الأجمل والأكثر اتزانًا"، مضيفًا أن تأثير المتنبي وحده كان
كافيًا لصقل ذائقته الشعرية.
ويؤمن إدهيم بأنه "صاحب مدرسة
خاصة"، تنأى عن التكرار والتناص، ولا تركن إلى الموروث الشعبي، بل تستند إلى
عمق التجربة الذاتية.
دواوين مستمرة رغم التحديات:
أصدر الشاعر حتى الآن سبعة دواوين
مطبوعة، تتنوع بين الوجداني والروحي والوطني، من أبرزها: "دموع
القصائد"، "في حب أهل البيت"، "إغراءات عيون ليلى".
ويستعد لإصدار ست مجموعات جديدة، ما يعكس استمراره في الكتابة رغم ما يسود من
إحباط على الساحة الثقافية.
الإنسان، الوطن، الحب: ثلاثية الشعر
المقدّسة:
تتمحور تجربة إدهيم حول ثلاث قضايا
كبرى: "الإنسان، الوطن، والحب"، والتي يعتبرها "ديانته
الشعرية". لا يتعمّد الغرابة أو الزخرفة اللفظية، بل ينحاز إلى الصدق
والمعنى. وتظهر في نصوصه ملامح صراع داخلي بين الانتماء والانكسار، دون أن يفقد
الأمل حتى في أحلك اللحظات.
في إحدى قصائده، يرسم صورة وطنٍ جريح:
"لنا وطنٌ كامتداد السماء
نهايته الموت والمقصلة
وقد صنعته السيوف
وفارقها لحظةَ المشكلة"
تجربة متأثرة بالسياسة... وصوت معارض:
لم يكن إدهيم شاعرًا معزولًا عن محيطه؛
فقد تأثرت أعماله بالأحداث السياسية، وغالبًا ما كان صوته معارضًا لكل انحراف عن
قضايا الناس والعدالة. يقول: "القصيدة موقف، والكلمة يمكن أن تكون سلاحًا
شريفًا في وجه الظلم."
بين الحضور المؤسسي وغياب الجمهور ينظر
الشاعر بإيجابية حذرة إلى دور المؤسسات الثقافية في ميسان، ويشارك بفعالية في
أنشطتها، لكنه يعبّر عن أسفه لابتعاد الجمهور عن الشعر، قائلاً:
> "لقد قلت ذات مرة: لنا لغةٌ
ثرّةٌ عاطلة. الناس ابتعدوا عن الثقافة، وهذا يُقلقني."
مشاركات داخلية وعربية:
شارك إدهيم في العديد من المهرجانات
الشعرية داخل العراق وخارجه، من أبرزها: المربد، السيّاب، الكميت، إضافة إلى
مهرجانات عربية أخرى. وقد كانت تلك المشاركات فرصة لتأكيد حضوره كشاعرٍ يحمل قضايا
وطنه وصوت شعبه.
نقد صارم وتشاؤم من المستقبل رغم
مسيرته الطويلة، لا يُبدي إدهيم تفاؤلًا حيال مستقبل الشعر في العراق. وحين سُئل
عن رؤيته لما هو قادم، قال باختصار: "لا أرى شيئًا."
ووجّه نقدًا لاذعًا للجيل الجديد من
الشعراء:
> "ضيّعوا المشيتين. لا يعرفون
الشعر، ولا يجيدون كتابته. الكلمات مبعثرة بلا روح، باستثناء القلة التي تستحق
التقدير."
رسالة أخيرة: الأدب هو الضمير
وفي ختام حديثه، يوجه رسالة لمحبي
الأدب:
> "أتمنى لكل من يحب الكلمة أن
يتقدّم. الأدب ليس ترفًا، بل هو الضمير الحيّ... هو وطنٌ من الكلمات."
يبقى حطّاب إدهيم صوتًا شعريًا فريدًا
في الجنوب العراقي، لا بسبب وفائه للأصالة فحسب، بل لما تحمله تجربته من صدق
إنساني وشعري، في زمن باتت فيه القصيدة بحاجة إلى مَن يصدقها، أكثر من مَن يكتبها./
انتهى