26
يونيو
2020
لغز العودة ... بقلم زكي الديراوي
نشر منذ Jun 26 20 pm30 06:20 PM - عدد المشاهدات : 452


سامح الشاب الوحيد لأمه بعد وفاة والده وهو طفل الصف الأول في المرحلة الابتدائية ..اعتنت والدته به كثيراً حتى تخرج من الكلية .. ولم تتزوج لأجله كانت معلمة صالحة ومربية صادقة بإخلاصها ، تمت إحالتها على التقاعد وتنتظر ثمرتها الوحيدة سامح أن يكون كما تتمناه أية أم لابنها ..

تخرج ابنها الوحيد وبدأ بجمع أوراقه لإتمام إجراءات التعيين كانت فرحتها كبيرة جداً وابنها سعيد حقق مناه وما تتمناه والدته ..

سامح يجهز حقيبة السفر الصغيرة وضع فيها بعض ثيابه وأدوات الحلاقة وقنينة عطر وفرشاة أسنانه مع معجون الحلاقة وبجامة نوم  وثياب داخلية ...

أمه تنظر إليه بحنان ..ولدي لا تتأخر في العاصمة حاول إنجاز اوراقك بسرعة والعودة لأمك ..لم أعتد فراقك ..ويصعب علي تحمله..

حاضر يا أمي.. 

لا تذهب لمناطق فيها مشروبات .ومراقص ، ابني لا تذهب الملاهي ، إياك وإياك من مكر النساء ، ضحك سامر ..وهل ابنك دون جوان يا ماما .. أو انا ألفيس برسلي...لو جيمس بوند..

وليدي أنت وحيدي واخاف عليك..

حاضر ماماتي..

حمل حقيبته بعدما تناول عشاءً خفيفاً ..قبل يديها ورأسها ، قبلته وشمته وحضنته..

ربي يحفظك تروح وترجع بألف سلامة ..انتبه للطريق ومن النسوان ، أعاد ضحكته سامح كان جميلاً رشيقاً غاية في الأدب والعقل..

ودعته حتى باب الدار ورمت خلفه  كمية من الماء .. حملته سيارة جارهم سعيد الذي قال لسامح خلال الطريق لماذا تسافر ليلاً الشوارع خطيرة وبعض السواق ينامون ليلاً وكثرة الحوادث..

سامح : ههههه أنت مثل أمي وضعت بجيبي نسخة من المصحف الكريم الصغيرة.. والجيب الآخر ملح وحرمل..

سعيد : أتمنى لك سفرة موفقة..

وصل المرآب المركزي ..قال سعيد عندما تصعد السيارة سأعود حتى تشعر بالاطمئنان  والدتك..

صاحب الحافلة يصيح ويكرر نفرين للعاصمة .. شخصين وننطلق ..آخر مقعدين .. عندما وصل سامح لباب الحافلة التفت ورفع يده لسعيد ليودعه لم ينتبه فصدم امرأة في باب الحافلة وسقطت منها حقيبتها اعتذر منها وساعدها بحمل الحقيبة ..معتذراً تفضلي إصعدي ، صعدت أمامه. فصعد خلفها يحمل الحقيبتين .. فقال لها مساعد السائق آخر مقعد رجاءً ..آخر مقعد .. في نهاية الحافلة .. الركاب تتجنبه لأنه يقع فوق  العجلات الخلفية تماماً  وتؤثر عليه المطبات فيكون الجلوس عليه غير مريح ..

وصلا آخر الحافلة ..قال لها اين يعجبك الجلوس قالت لا أريد الجلوس قرب النافذة .. طيب ، وضع الحقيبتين فوق الرف الأعلى...

جلس قرب النافذة وجلست بجانبه..

مساء الخير .. 

مساء النور ..

تبادلا التحية ..وكرر الاعتذار لها..

عرفت انه مسافر لإتمام بعض الأوراق .. وهي أيضا لديها معاملة في وزارة أخرى تبعد عن مكان مراجعته في الضفة الأخرى للنهر...

قالت : لأول مرة أسافر للعاصمة ولا أعرف أي منطقة فيها ..

سامح: ولا يهمك سأوصلك للمكان المطلوب وبعدها أذهب لإنجاز معاملتي .. قالت أخشى المعاملة تتعرقل ولا أعرف أين أذهب .. سامح : أليس لديك أقارب هنا ..لا لا أبداً  ..

يمكنكِ  السكن في أحد الفنادق..

قالت  : أنا وحدي وهذا الأمر صعب ، وأنا وحيدة لأول مرة أسافر لوحدي .

وأردفت: هل لديك أقارب ..

كلا ..هل ستؤجر غرفة في فندق.

سامح : اعتقد معاملتي ستنجز بساعة .. لذلك انا اخترت السفر ليلاً حتى أعود لأمي غداً .. ضحكت.. لست طفلاً ..هل هي تخاف عليك أو أنت تخاف على روحك..

لحظة صمت سادت الموقف ..

فتحت حقيبة يدها وأخرجت علبتي عصير ناولته واحدة ..مع قطعة كيك ..

قال : لقد تناولت العشاء في البيت ..قالت أرجوك تفضل ..

أخذ منها العصير وقطعة الكيك نظرت بعينيه .. سألته أنت متزوج ..لا .. لسه ..

لديك خطيبة .. لا..

ان سمحت حبيبة نعم ..

شعرت بالانزعاج ولم تكمل الحوار .. وأشاحت بوجهها للجهة الأخرى .. وقطعت الحديث..

رن هاتفه انتبهت ولم تلتفت..

رد .. نعم حبيبتي أخبارك .. الحمد أين وصلت الآن .. ضحك سامح حبيبتي لم تمض ساعة على انطلاق الحافلة .. نحن مازلنا في مدينتنا ..

من يجلس قربك  ..رجل ..

شاب.. إمرأة.. لا حبيبتي شابة الظاهر لديها معاملة أيضا في العاصمة ..

أرجوك ماما إنتبه من النساء..

لا تقلقي حبيبتي ..عرفت صاحبته بالرحلة أنها المقصودة وحبيبته تخاف عليه وتحذره منها ..نظرت إليه وإلى جميع المقاعد كانت تتمنى تغيير مكانها لكنه ليس هنالك كرسي شاغر..

أم سامح توصيه وتكرر تحذيراتها .. وهو يرد حاضر حاضر ..

والشابة منزعجة تستشيط غضباً بداخلها رغم انهما لم يعرفا بعضهما حتى أنه مجرد لقاء عابر في مقعد مشترك مؤقت..

قالت له ماما تصل بالسلامة..

رد الله يسلمك .. ماما تأكدي من إقفال الأبواب ..

كأن الدنيا أمطرت ثلجاً عليها شريكة المقعد....

قالت كنت تكلم الوالدة الله يحفظها ..

نعم حبيبتي الوالدة .. ابتسمت تقصد حبيبتك نعم هي حبيبتي ..

أخرجت من حقبيتها كرزات وعلكة وقدمته لسامح .. شكراً ..

سألها .. ممكن أرى المعاملة .. ضحكت قصدك تعرف إسمي ..لا ..لا ..

همست بإذنه إسمها .. وقالت المعاملة بالحقيبة التي في الرف..

قال : إسمك جميل جداً مثلك تماماً ..شكراً هذا من ذوقك ..

لديك صفحة فيس ..أها تكتب الشعر أو القصة .. ماذا تحب .. تبادلا أرقام الهواتف ..وطلبت صداقته على الفيس فوافق فوراً وهو معها وضحكا معا ، مرت ثلاث ساعات وكأنها دقائق ..

اتصلت أمه خلالها مرات عديدة ..وهي توصيه الحذر الحذر .. لا تأخذ من البنت أي شيء أخاف عليك من السحر ..لا تعطيها رقمك ..لا تسمح لها تلتقط لك صورة ماما نخاف المشاكل..

مدت يدها خلسة لحقيبتها وأخرجت قارورة عطر رشت على رقبتها وصدرها..

شعر سامح بالنعاس ..وأحست هي بالأمر. وتظاهرت أنها تريد النوم أيضاً أخفت وجهها بالعباءة السوداء وبعد دقائق قلقة بين التظاهر بالغفوة وبين التحفز لأي حركة لجس نبض  المشاعر .. حركت أقدامها وخلعت فردة الحذاء الأيسر ورفعت قدمها تبحث عن قدميه  ووضعت قدمها فوق حذائه .. شعر بالأمر ولم يحرك ساكناً ..رفعت قدمها حتى ساقه فشعر بقشعريرة وارتفعت حرارة رأسه وجميع أجزاء  جسمه لكنه ظل محتاراً  بين وصايا أمه وبين صراع لأول مرة يحصل له .. دون جهد أو تحضيرات .. انها نعمة نزلت من السقف ، طير يريد النوم بأي عش ..

في هذه الأثناء جاء مساعد السائق يجمع الأجرة وعندما وصل قربهم ضغطت على قدمه حتى لا يتحرك فتحت حقيبتها اليدوية وأعطته أجرة شخصين...قالت هذه أجرتنا..

أراد الكلام مدت يدها من الفتحة الصغيرة الخاصة بإخراج اليد من العباءة  وأمسكت يده ومالت برأسها على كتفه الأيمن ..قائلة إسمح لي أستريح  وأنام بعض الوقت .. أشعر بتعب وإرهاق ونعاس ربي يحفظ لك الوالدة ، أحلفك بروح الوالدة تعبانة ريحني ..

تعثرت الكلمات في فمه ..نامي نامي براحتك .. فأصبح كتفه وذراعه الأيمن متلاصقاً  لنهدها اليسار...وهي تمسك بيده وتلعب بأصابع يده ..

هي متعبة جداً لأن نبضها يزداد هيجاناً وسخونة  ونهدها لو كانت له يدين لأمسك بسامح وأحرقه ..لو كان له فم لإلتهم سامح ..

قدمها تحفر برجليه ..

قال الأفضل  أسمع كلام أمي ويجب ان أتحمل ...

تحمل وتحمل فمدت يدها لتفتح أزرار قميصه وتلعب بصدره .. شعر انها تريد إخراج قلبه .. وان قلبه فعلاً سيطفر من أضلعه  .. بل تريد إخراج روحه .. جفت جميع الكلمات في فمه وشعر أن فمه يبس من الحرارة .. إنه العطش وحرارة شمس النساء..

 سامح له جسمه  تكاد تحتله عابرة سبيل ..وله عقل تحاوره كلمات أمه من بعيد .. هنالك اتصال أرضي واتصال لاسلكي...

اي اتصال سيتصل واي اتصال سينفصل...

اتصال لامس جميع أزرار الحماية والتشغيل ..

مر طريق الليل يأكل الأنفاس .. السائق يركز على الشارع الأسود فيه  إنارة خافتة..

الأم أكثرت من الدعاء ونامت...ونهضت لصلاة الفجر وخافت من الاتصال على ابنها  وازعاجه فجراً وهي تعتقد أنه ربما يكون  نائماً  ..تدعو له فقط بسلامة الوصول..

معاملة سامح تأخرت وتعرقلت ثلاثة أيام..

معاملة رفيقة العودة تمت لحظتها..

زكي الديراوي

  (( البقاء في البيت بقاء على قيد الحياة))



صور مرفقة






أخبار متعلقة
تابعنا على الفيس بوك
استطلاع رأى

عدد الأصوات : 0

أخبار