30
ديسمبر
2020
حامد سعيد : المدينة الحلم ...التي لاتزال تنبض بالحياة ..بقلم : شعلان الدراجي/ البصرة
نشر منذ Dec 30 20 am31 08:22 AM - عدد المشاهدات : 588

في معرضه الشخصي الأخير ، (أشياء تشبه الرسم) ، أقام الفنان حامد سعيد معرضاً شخصياً في جمعية التشكيليين العراقيين في البصرة ، الذي جاء تزامناً مع ملتقى الهايكو والنص الوجيز الذي أقامه أتحاد الأدباء والكتاب بتاريخ 24 /12/ 2020 .

جاء هذا المعرض نتاج لتجارب عدة تم الخوض فيها تقنياً ولونياً وشكلياً لتأسيس شكلاً خاصاً في الترميز المتداول لكل أشكال وأنظمة اللوحة التشكيلية ، والذي بإمكانه أن يحمل مفهوماً خاصاً ، أقرب الى مخزون: الطفولة ، والقرية ، وما تحمله المدينة في طياتها من متاهات ودهاليز ، وتعقيدات وتحديات أرى أن بوسع الفنان الظفر ببلورة أتجاه تشكيلي ينأى بنفسه عما تناوله الآخرين من تجارب اتجاهات فنية. تمثل مزاجه وهويته وأسلوبه الخاص في التعبير عن الذات في خضم واقع فني تتصارع فيه الأفكار والقيم الفنية (الفن للفن ) والإنسانية  ( الفن للإنسانية )التي  تعالج وتتبنى واقعاً قد يكون محورياً يدور حول موضوعات او مضامين واتجاهات فينه نتيجة لحركة التاريخ و الإنسان .

تناول الفنان في معرضه الأخير موضوعات تعبيرية وأقحم نفسه في مدرسة فنية ( التعبيرية بمختلف اتجاهاتها ) تتجاذب فيها الأفكار والقيم التشكيلية محلياً وعالميا والتي قطعت شوطاً ولا يستطيع فيه أحداً الخوض في غمارها إلا من أمتلك خبرة واسعة وتجارب فنية عديدة تؤهله لوضع موطئ قدماً له في هذا التزاحم والصراع المستمر في البحث عن هويته التي تميزه عن الأخرين .. وحامد سعيد قد نجح في هذا الاختبار الجديد الذي خاض غماره في هذه التجربة الفنية من خلال معرضه الأخير وتبنيه  للمدرسة التعبيرية  .. والتي ربما قد يجتهد الكاتب ويسميها (بالتعبيرية الغرابية ) .

والوهلة الأول عندما يشاهد المتلقي لوحات الفنان حامد يتبادر الى الذهن أنه يقرأ قصة أو رواية للكاتب الكولومبي الحائز على جائزة نوبل للآداب ، غابرييل غارسيا  ماركيز وما تتضمنه من شحنات فنية وأسلوب ادبي خارج عن مألوف وفي أطار غرائبي يشد المتلقي ، ويأخذه الى أبعاد وأفق بعيداً عن واقعه الذي يعيشه ، والغوص في عقله الباطن لتقمص حالة من المتعة والخيال المفرط والذي له دلالات واقعية تضعه أمام مسؤوليته التاريخية والحياتية تجاه محيطة ومجتمعه.

وهنا أيضا أستشهد بقول الكاتب العراقي البصري محمد خضير حينما قال بخصوص معرض حامد سعيد : أن تترك هذه الاعمال في وعي متلقيها انطباعاً منفرداً يوازي الانطباع الموحد لدى قارئ قصة قصيرة ...للكاتب الرائع أدغار ألن بو .

وهذا ما فعله الفنان حامد سيعد في معرضه الأخير ( أشياء تشبه الرسم ) . حيث يشاهد المتلقي مينة حامد سعيد التي تعج بالرموز والحركة والألوان التي تنساب بطريقة تتناغم مع ذوق المتلقي وتشده اليها وكأن هناك علاقة أزلية بين اللوحة والفنان والمتلقي ... طيور بوضع يختلف عما نشاهده ، زوارق وانهار ، أزقة وبيوت.. وكأنه يجسد الحالة التراثية  لمدينته (البصرة) والحلم الذي يراوده في خلق حالة من الوعي المجتمعي والتطور الجمعي  لما تعانيه هذه البقعة من (الأرض) ... ( الطين ) والتي وصفها الفنان في دليل معرضه :- 

نتألم كثيراً ..

ننزف طيناً أسمراً ..

يصنع منه الصيادون ..تمثالاً ..

تغطيه السماء اللاهبة..

نجفُ كالأنهار ...

تلك المدينة التي تطفو على صفيح الصراعات ... والحروب .. والاستحواذ على تاريخها ونهب ما تحتويه من قيم مادية ومعنوية من قوى داخلية وخارجية تكالبت وتضامنت على انتزاع روح مدينته ووضعت تابوتاً مرصعا بالذهب الزائف أمامه ... لوأد كل ما تبقى له من أمل وكبرياء والذي يشكل حاضراً مؤلماً له ولجيله ولأجيال من بعده ..

 لكن أصرار الفنان وتمسكه بحلمه ورؤيته الفنية في احدى لوحاته ( ملعب لكرة القدم ) التي يصور فيها بعفوية مفرطة التي أعادتنا الى بواكير الطفولة الأولى .. لتشاهد وتسمع ضجيج الأصوات والحركة التي توحى للمتلقي أن الفنان يؤمن دون شك بأن مدينته التي عانت ظروفاً استثنائية ... لا تزال تنبض بالحياة والديمومة والأمل .

أستخدم الفنان حامد سعيد في معرضه أشياء تشبه الرسم مادة الاكرليك والأحبار وجعل اللوحة أقرب ما تكون الى السطح المستوي وتجا وز بذلك العمق وتزاحم الالوان وكثرتها ... ليعطي انطباع مقصود ، بحرفية عالية وتفرد بعفوية اللوحة .. وشحن النسق الطفولي بتعبيرية .. وقد ساعد المتلقي في فهم اللوحة والغوص في خباياها ... وكذلك أبتعد في أعماله ...عن جدار وحروفية والعفوية الطفولية ( وخربشات) الاطفال .. عند ، شاكر حسن ال سعيد ... وكذلك أبتعد عن التعبيرية الالمانية لدى ستار كاووش والوانه الصارخة والمتناسقة في نسق هرموني وشخوصه والرموز التشكيلية المتشابكة ...

ساهم الفنان حامد سعيد في وضع بصمة فنية واعطى انطباع بان العمل الفني ليس له حدود وللفنان حرية التعبير في الفضاء الذي يسرح فيه فكره وعقله الباطن وإعادة مخزون الذاكرة بطرق فنية تشكيلية وإبداعية  قد تترك بصمة جمالية في ذهن المتلقي ...

نأمل ان يتحقق المشروع الفني وما يحمله الفنان من تداعيات وقيم تشكيلية وقد تساهم في خلق حركة تشكيلية وفنية رصينة لمعالجة قضايا المجتمع وما يعانيه من ازمات ووضع حلول لها من خلال تبني مبدأ الفن للإنسانية ، ,ان يكون الفن مفتاحاً لهذ التوجه الإنساني.

وأخيراً أستشهد بقول لبيكاسو عندما أسأله النازيون من رسم هذه اللوحة ( يقصدون الغورنيكا ) قال: أنتم من رسمها .

 

 


صور مرفقة






أخبار متعلقة
تابعنا على الفيس بوك
استطلاع رأى

عدد الأصوات : 0

أخبار