8
نوفمبر
2020
فيل أو حمار .. أمريكا ما بعد زلزال 2020.... بقلم الدكتور/ نعمة العبادي/النجف
نشر منذ Nov 08 20 am30 06:40 AM - عدد المشاهدات : 485

يراقب العالم باعتناء كبير نتائج الأنتخابات الأمريكية والتي طرحت صورة غير معهودة ، منذ قرون عن التجربة الامريكية ، إذ أصبح من الطبيعي الحديث في أعلى مستويات المؤسسات الأمريكية المهمة عن تزوير وأتهامات متبادلة بين المتنافسين ، وربما حتى يكون هناك رفضاً للتداول السلمي للسلطة عندما يجزم بفوز بايدين ، في صورة تجعل أمريكا لا تختلف كثيرا عن دول العالم الثالث من حيث الصراع على السلطة .

بعيداً عن البحث في حقيقة رصانة ما تسمى بالديمقراطيات المستقرة ، فنحن أمام مشهد يقتضي إعادة تعريف أمريكا على أساسه بوصفها أكبر الديمقراطيات في العالم واكثرها مأسسة ، ومن المؤكد أنه سيدفع باتجاه حراك داخلي امريكي ، تنتج عنه تغييرات مهمة تمس جوهر النظام الامريكي ولو بعد حين .

يوجد جدل (خارج أمريكي) حول مدى الفوارق العملية في عموم السياسة الامريكية والخارجية على وجه الخصوص بين كلا المرشحين المتنافسين على الرئاسة ، وبعبارة أدق الفرق بين الترامبية والديمقراطيين ، لان الترامبية جيل مختلف من النهج الجمهوري، وملخص الجدل يتمحور حول رأيين، الاول، يرى بان امريكا دولة مؤسسات، ومواقفها الخارجية محكومة بانضباط شديد، ولذلك لا فارق عند فوز اي من المرشحين ، والثاني يذهب الى العكس من ذلك، ويعول كل اتجاه ضمن هذا الرأي حول من يراه موافقا مع توجهاته، ويظهر انصار هذا الرأي بوضوح في الشرق الاوسط.

مما لا شك فيه، ان ترامب لم يكن حزبياً منضبطاً، بل يرفض الكثير تصنيفه جمهورياً ، وان سنواته الاربعة شهدت الكثير من المفاجئات والتوترات والصوت المرتفع ، كما ان النهج المباشر ولغة البزنس مع الرغبة في الظهور وكسر المألوف والتوجه الشعبوي وسمت الكثير من تصرفاته ، ويختلف الشرق الأوسط حول أعوام ترامب ، بين من يراها نازلة خطرة ألمت بالمنطقة وخلفت نتائج كارثية ، وبين اتجاه آخر يراه صاحب فتح عظيم ، وحقق ما لم يكن بالحسبان تحقيقه ، كما انه لا بد من التأكيد على ان بايدن صقر حزبي ، قضى اكثر من (47) في السياسة ، وهو ممثل حقيقي لروح واشنطن الساسية ، كما ان له آراء خطرة ايضا، وعنده جرأة كبيرة في طرح توجهاته ، كما ظهر واضحاً في اقتراحه مشروع تقسيم العراق ، والذي نسب له وإن كان الامر في حقيقته اسبق من بايدن ، وخلفه كواليس طويلة الذيل ترجع الى ازمنة قديمة ، وتعمل عليه توجهات متعددة ليس هنا محل الحديث عنها، ولكن من المؤكد انه لن يدير البلاد ويتصرف مع العالم بنفس الفجاجة التي مارسها ترامب .

بحسب فهمي ان الديمقراطيين يؤمنون بالمنهج الدوائي ، بخلاف الجمهوريين الذين يؤمنون بالمنهج الجراحي ، وهم اقرب الى طريقة العسكر في مقاربة الأمور من حيث الرغبة في الحسم الواضح والعاجل لها ، وان كان هناك رأي ينسب المنهج الجراحي الى مثاليي التوجه الذين يتواجد أكثرهم في الحزب الديمقراطي ، كما ينسب لاكثر من ديمقراطي الدخول في حروب وصراعات .

المهم في هذا الحديث، التعرض الى حجم الفوارق المتوقعة عندما يربح بايدن الرئاسة ، وهو  أمر راجح بحسب المؤشرات ، وعندها يخلف المرحلة الترامبية فبحسب فهمي ان شروخ السنوات الاربعة ، وخصوصا تداعيات الأنتخابات ، ستجبر الرئيس الجديد ان ينشغل لمدة لا بأس بها بتداعيات الداخل الأمريكي لتجاوز حدود الإنقسام الحاد السياسي والمجتمعي ، وستكون العلاقة حادة بين مجلس الشيوخ والبيت الابيض ، الأمر الذي يؤثر على القوانين والتشريعات ، والخطوات التي يطلب الرئيس المصادقة والتصويت عليها ، والتي تتعلق باجراء تغيرات على اوضاع المرحلة السابقة .

مجموعة علاقات التطبيع مع اسرائيل ، والتي شهدتها المنطقة خلال الاشهر القريبة الماضية ، ومن سيلحقها في ركب العلاقة مع اسرائيل، لن يتأثر كثيراً بمجيء بايدن، لان ذات العلاقة تحمل عوامل استدامة ذاتية، فالرغبة السياسية والشعبية موجودة لدى طيف واسع من اطراف هذه العلاقة، ربما يختلف الامر قليلا مع السودان، ولكنه يمضي ايضا، وان بايدن مؤيد مبدئيا لاي خطوة تدعم اسرائيل ولو بصراحة اقل من ترامب، وسوف تعود طريقة المقاربة الامريكية التقليدية مع الخليج ودول المحور الامريكي، والمتمثلة بالحراسة الامنية والدعم العسكري والحماية المعنوية مقابل المزيد من النفوذ والمنافع المادية والهيمنة لصالح امريكا، كما انه سيدفع باتجاه تسوية مشتركة للقضية السورية والليبية واليمنية، ويسمح لاكثر من طرف بما في ذلك دول الاتحاد الاوربي وبريطانيا وروسيا بل وحتى تركيا وايران في حسم تلك الملفات .

ستخف اللهجة الحادة على ايران ويمكن ان يتم استعادة نهج اوباما مع الموضوع الايراني ، ولكن لن تخطو العلاقات مسافات كبيرة ، ويبقى الموقف العدائي المبدئي بين الطرفين قائما ، ولا يبعد ان يتخلل العلاقة مواسم تصعيد .

اما العراق فوصف اهميته بالنسبة لأمريكا المتداول في الفضاء العام لا يخلو من مبالغة في تقديره ، ولكنه يبقى في صدارة الدول محل الاهتمام ، ولا يحمل الديمقراطيون مشروعاً محدداً للعراق ، ولكنهم سيتعاملون بشكل اكبر مع الوقائع ، ومع وضوح وتوحيد الخطاب العراقي تجاه امريكا ، وبيان ما يريده العراق من خلال رأي وطني موحد، سوف يلزم الامريكان التعامل معه مهما كان ، ولكن الواقع العراقي لا يساعد على مثل هذا الرأي ، لذلك سوف يكون هناك صوتاً متعدداً ومشتتاً ، وفي مثل هذا الحال يفضل الديمقراطيون التعامل مع الاكراد والسنة بشكل اكبر منه مع الشيعة ، كما هو حال في عهد الجمهوريين  المحافظين في كل ترتيبات الشأن العراقي ، كما انهم سيدعمون بشكل اكثر مجازفة من الجمهوريين ، التغيرات العميقة في الواقعين السياسي والاجتماعي العراقي بغض النظر عن طبيعة الصورة النهائية لهذا التغيير وانعكاساتها على الواقع العراقي ، ومع ذلك سيبقى منهجهم المفضل هو المنهج الدوائي وليس الجراحي .

لن تنخرط امريكا بايدن في قصف معسكرات الحشد او الفصائل المسلحة ، ولكنها تدعم خطوات اضعاف هذا الاتجاه ، كما انها لن تمنع بلغة المنع الصارم نفوذاً صينياً في العراق ، ولكنها تنافسه في الحصول على المزيد من الهيمنة والإستثمار ، ولن ترضى له ان يتحول الى إستثمار أمني .

استبعد ان يعود بايدن طرح مشروع التقسيم بوصفه حلاً للعراق ، ولكنه لن يقف في طريق خطوات وتوجهات داخلية او خارجية تدعم اي نحو من التجزئة للعراق ، وخصوصا ما يسمى بالأقليم السني .

في البايدني تعود قطر والكويت للعب ادوار ما وراء محلية في المنطقة والعالم ، وستكون ادوات يتم توظيفها في اكثر من منطقة صراع في المنطقة والعالم .

عموماً في حال فوز بايدن سيكون العالم اكثر هدوءاً ، واقل قدرة على حسم بعض المشاكل العالقة ، وسوف تكون هناك مناطق رمادية أكبر ./أنتهى

 

 


صور مرفقة






أخبار متعلقة
تابعنا على الفيس بوك
استطلاع رأى

عدد الأصوات : 0

أخبار