17
اكتوبر
2020
نهاية الجوع بلا خنوع! بقلم ا.د.ضياء واجد المهندس
نشر منذ Oct 17 20 am31 07:14 AM - عدد المشاهدات : 474

 

اشتركت في شهر تشرين ثاني من العام 2012  بمؤتمر عقد في نيويورك في امريكا لمعالجة المياه والبيئة؛ وكانت لي مداخلة مع بروفيسور برازيلي طلب ان يكون لخبراء البيئة سلطة مؤثرة في سلطة القرار...حيث قلت: (سيقولون إن الزبال أو النباش يجب ان يكون رئيساً كي نحسن البيئة). ردّ؛  إن افضل رئيس خَدَم البرازيل كان عامل نظافة ( يسمى في اليابان مهندس نظافة و يتقاضى اجور عالية ) وهو الرئيس البرازيلي السابق (لولا دي سلفيا) والذي نجح بفعل عمله النقابي.واستطرد قائلا؛  مرت البرازيل بازمة اقتصادية و وصلت الى حافة الانهيار  منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي  اقترضت من صندوق النقد الدولي كحل للازمة حيث طُبقت عليها حزمة من شروط قاسية، ادت الى تسريح معظم العمال، و تقليل اجور  العاملين، والغاء الدعم الحكومي.ازدادت  البطالة، وانهار الاقتصاد البرازيلي،  حتى وصل الامر الى تدخلات خارجية في شؤون البرازيل ، كما وفرض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على الدولة مجموعة من المواد الواجب اضافتها الى دستور البلاد مما تسبب في ارباك المجتمع . لكن و بالرغم من تطبيب

 البرازيل للشروط جميعها فإن الازمة  تفاقمت  حتى اصبح 1% من البرازيلين فقط يحصلون على نصف الدخل القومي، وهبط ملايين البرازيلين تحت خط الفقر، مما دفع بقادتهم الى مزيد من  الاقتراض مجددا" من الصندوق   خمسة مليارات دولار،  كوسيلة للخروج من الازمة.

و بسبب هذه الاوضاع الاقتصادية تدهورت الامور الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الامنية  أكثر.. أصبحت البرازيل الدولة الأكثر فسادا و والأكبر فى معدل الجريمة، وتعاطي المخدرات، والمديونية فى العالم . تضاعف الدين العام  9 مرات خلال 12 سنة ، و   هدد صندوق النقد بإعلان إفلاس البرازيل إذا لم تسدد فوائد القروض، ورفض إقراضها  فى نهاية 2002 .   انهارت العملة البرازيلية (كروزيرو) مقابل الدولار الذي وصل الى 11 الف كروزيرو.

كانت البرازيل تحتضر  و حدث التغيير الاسطوري في عام 2003 عندما انتخب البرازيليون رئيسهم (لولا دا سيلفا) .  ولد دا سيلفا من عائلة فقيرة  وتعدادها كبير ، وعانى بنفسه من الجوع، وظلم الاعتقال  حيث كان يعمل ماسح أحذية ، و جامع قمامة ، و عامل خراطة تركها بعد ان قطعت اصابعه. امتعض الجميع وكان متخوفا عندما صعد دي سلفا على دفة الحكم

و قال رجال الأعمال  : سوف يأخد ألاموال و يشرع بالتاميم  .

و قال الفقراء  :سيسرق لتعويض حرمانه. فكان رده  بكلمته الشهيرة: (التقشف ليس أن أفقر الجميع بل أن تستغنى الدولة عن كثير من الرفاهيات لدعم الفقراء). كما وصرح بكلمة شهيرة ؛ ( لم ينجح  صندوق النقد ابدا إلا فى تدمير البلدان). لقد اعتمد على اهل بلده ووضع فقرة في الموازنة العامة للدولة أسماه:

(الإعانات الاجتماعية المباشرة ) وقيمته 0.5% من الناتج القومي الإجمالي للدولة،  يصرف مباشرة بشكل رواتب مالية للاسر الفقيرة . وكان  هذا الدعم  يدفع الى 11 مليون أسرة تضم 64 مليون برازيلي. ويقدر قيمة الدعم بمبلغ 735 دولارًا .

ولكي يوفر موارد مالية للاصلاح دفع بإخراج (المال المكتنز ) عند الاثرياء حيث قام  برفع الضرائب على الجميع ، عدا المدعومين ببرنامج الإعانات، بمعنى رفع الضرائب على رجال الأعمال والاثرياء  .

كان رجال الاعمال و المستثمرون راضبن لأنه منحهم (تسهيلات) مجزية في الاستثمار وآلية تشغيل وتسيير أعمالهم وبدون روتين او فساد  . ومنح الاراضي مجانا" وتسهيل التراخيص، وإعطاء قروض ميسرة بفوائد صغيرة مقابل تشغيل العاطلين و تنشيط الاقتصاد ،  ساعدتهم فى فتح أسواق جديدة. وأخذ دخل الفقراء بالارتفاع، و ازداد  شراء المنتجات البرازيلية وتضاعف حجم المبيعات ، لذلك لم يشعروا انها (جباية مجحفة).

وبعد 3 سنين فقط في عام 2006 عاد 2 مليون مهاجر برازيلي مع 1.5 مليون أجنبي للاستثمار والحياة في البرازيل .

وفي غضون 4 سنوات (مدة رئاسية واحدة) سدد كل مديونية صندوق النقد . بل أن الصندوق (اقترض )من البرازيل 14 مليار دولار اثناء الأزمة العالمية فى 2008، أى بعد 5 سنين فقط من حكم "لولا دا سيلفا" ،و هذا الصندوق  كان يريد أن  يشهر "إفلاس البرازيل" فى  عام 2002، ورفض إقراضها حتى تسدد فوائد القروض .

لكن بفضل جهد حثيث من "دا سيلفا" على 4 أمور هي

* التعليم .الصناعة ،التعدين . **الزراعة..

لقد اصبحت البرازيل  تصنع الطائرات (اسطول طائرات الامبريار برازيلية الصنع) .

بعد انتهاء ولايتي حكم لولا ديسلفا  فى 2011 ( 8سنوات) . وبعد كل هذه الإنجازات العملاقة

طلب منه الشعب أن يستمر و يعدل الدستور بالتمديد له لدورة ثالثة.

رفض بشدة وقال كلمته الشهيرة: (البرازيل ستنجب مليون لولا . ولكنها تملك دستورا واحدا ).

و ترك الحكم  و سلم كل شيء الا حذاءه الذي اشتراه من خزينة الدولة لانه اندثر و لم يعد ممكن الانتفاع منه.

لقد دشنت البرازيل  أول غواصة نووية ( تصنعها 5 دول  فى العالم فقط  هي: امريكا - روسيا - الصين - بريطانيا - فرنسا) .

كانت أول غواصة  بالتعاون مع فرنسا ، ولكنها دشنت الغواصة الثانية هذا العام، والثالثة فى 2022 بصناعة برازيلية خالصة . كل ما قاله صديقي البرازيلي هو نص ما كتبه ديسلفا في كتابه ( صفر جوع ) وترجمه د.محمد الريح ..

 إن النهوض من التخلف ليس مستحيلا ؛ إنها  ( إرادة ) و (إدارة ) ، وممكن ان يحدث فى سنوات (معدوده) فقط  والطريقة معروفة ومحددة: * جودة التعليم* الصناعة .* والزراعة . *الاهتمام بالفئات الفقيرة المنتجة .

وهذا ما عملته ألمانيا واليابان و ايطاليا فى الستينات ، و سنغافورة و كوريا و الصين في السبعينات و الثمانينات ، وماليزيا و الهند في التسعينات.

وهذا ما عملته تركيا والبرازيل بعد 2000.

وهذا ما تعمله الآن بلدان افريقيا مثل اثيوبيا ورواندا منذ  سنوات .

عندما التقيت الخبير البرازيلي على مائدة العشاء، سألني : تعرف كيف تجاوز ديسيلفا الازمة و حقق النجاح ، اجبته : اعتمد على خبراء مخلصين ؛ وفر بيئه شفافة و امنة ؛ زرع الثقة مع الشعب ، استنهض همة البرازيلين ؛ تابع كل المشاريع و القضايا على مدار الساعة .

 قاطعني قائلا": هل كنت في البرازيل ؟. اجبته : كلا ؛ ولكن طرق الاصلاح و التغيير واضحة و معروفة للمخلصين ..

هذه التجربة بين يدي الكاظمي و من معه ؛ نحن على قناعة: لا ورقة بيضاء و لا خضراء تحقق الاصلاح؛ مادام الفساد منتشر اكثر من الكورونا ؛و مادام الحكومة كونكريتية بالفيسبوك و كارتونية بالشارع؛ و مادام الخبراء الحقيقيون من اهل العلم والدارية خارج دائرة القرار .

نحن على استعداد للمضي ببرنامج اصلاحي دون تخفيض الرواتب على ان تقوم الحكومة بتوفير الامن و النزاهة في عمل الدولة و الرقابة على الاحزاب في الاقتصاد و تحويل المال ..

اللهم نصحنا ولكنهم كانوا من الغاوين ..

و نوينا الاصلاح ولكنهم  خمن الفاسدين ..

اللهم اعنا على حكم الظالمين .


صور مرفقة






أخبار متعلقة
تابعنا على الفيس بوك
استطلاع رأى

عدد الأصوات : 0

أخبار