|
29
أغسطس
2020
|
مسيرة الإنسانية وفرص الكمال ... بقلم : الدكتور نعمه ألعبادي/النجف
نشر منذ Aug 29 20 am31 07:35 AM - عدد المشاهدات : 459
|
على خلاف الرؤية التقليدية التي تتداولها الحقول العلمية المهتمة بتوثيق
حياة الأنسان وتاريخ البشرية سواء بالأعتماد على السرديات الواصلة أو الآثار والحفريات
، والتي تتحدث عن أجيال من الأنسان غارقة في التخلف والضلال ، وعدم القدرة لأدراك موجبات
الحياة السعيدة ، توجد نظرة مختلفة ومباينة لهذا التوجه تماماً وقوام هذه النظرة ،
أن مفتتح الإنسانية بدء بنبي وهو (آدم)( عليه السلام ) ، إنسان كامل الخلقة والخلق
بالغ العقل والوعي معصوم من الزلل والخطأ مصدر
للهداية والرشاد ، وهكذا في كل محطات الإنسانية ، جعل الباري سبحانه وتعالى للناس كافة
المستلزمات والأدوات التي تضمن بلوغهم الكمال ورقيهم واستحقاقهم الجنة ، وهذا الجعل
اشتمل على كل موجبات الهداية سواء كان ما يتعلق بالنص والكتاب ، أو بالنبي والمبلغ
أو بمظاهر الأسوة والقدوة ، أو بفرص الحرية والكمال التي تتيح لكل فرد بحسب فطرته السوية
ومداركه النفسية والعقلية ، أن يبلغ درجته من الكمال ، مع التأكيد على جوهر الكمال
في كل الأزمنة واحداً فرداً ، وهو الوصول الى الله ، والذي يعني بعبارة اخرى التحقق
والتخلق بصفات الله ، وتمثل أسماءه بما يتناسب والطبيعة البشرية المحدودة ، وأما كيفيات
الوصول وطرق الحصول وادوات السلوك ، فتختلف بأختلاف العصور والأمصار والازمنة ، فليس
من العدل أن تحرم الإنسانية في لحظة من لحظات زمانها قدرة الوصول الى الكمال ، وهي
في ذات الوقت مطالبة به ومحاسبة عليه ، لذا فأن لكل زمان كماله وطرقه .
يقف الى جانب هذه الحقيقة حقيقة أخرى تتصل بذات السياق ، والتي تقرر بأن
قدرة موجبات الكمال في الأزمنة التي سبقت الأسلام ، والبعثية النبوية المباركة محدودة
في زمان ومكان معين ، فقد جرت السنن على تصاعد مسار الزيغ والأنحراف بعد كل محطة نبوية
للكمال ، والتي تصل ذروتها في أستيجاب بعثة جديدة ورسالة تكميلية أخرى ، الأمر الذي
جعل السلسلة متواصلة بالأنبياء والرسل الى حين الخاتم (ص) ، وكان الفرق في خاتمية الأسلام
يتمثل في قدرة الرسالة المحمدية بنصها وتعليماتها على الأستجابة لكل حاجات ومتطلبات
الأنسانية من حين بعثة النبي ( ص )والى أن يطوي الله الأرض ومن عليها ، وقد تم تدارك
مواجهة سنة الأنحراف التي حصلت حتى مع الأسلام والحاجات المستجدة بعد وفاة النبي( ص
) عبر امتداد الولاية المبارك المتمثل بالائمة المعصومين سلام الله عليهم ، فلا تخلو
الأرض من حجة ، كما أن السنة الشريفة بوصفها مصدر التشريع الثاني أستمرت مع وجود الائمة
لتغطي كافة المستجدات التي تفرضها حركة التاريخ الدائبة .
ان نموذج الفداء المخلص والمحفوف بتراجيديا موجعة ، كان له أمثلة بدرجات
مختلفة في كل مسيرة الإنسانية بوصفه أحد مقومات الكمال الأساسية للإنسان إلا أن الأمر
مع الحسين (ع ) مختلف لجهات متعددة ، بعضها يتعلق بذات الحسين نفسه والذي هو نفس رسول
الله( ص ) والمستلزم وحدة الاوحدة والتميز، وكذلك لخصوصية الفداء المتعلق به ، لذلك
كان حزنه وعزائه ومعرفته مدركة في كل مسارات الإنسانية بوصفه أكمل مراتب هذا الفداء
، وان المراتب الكمالية العليا المتفردة لا يتاح الوصول إليها إلا عبر نافذة وعي مصيبته
والحزن العميق له ، وان حرارة الحزن له جعلت كأحد مفردات الفطرة السوية للمؤمنين ،
لذلك تتحدث الرواية عن جعل تكويني لحرارة حزنه في قلوب المؤمنين لم ولن تهدأ ابداً
.
أن القدر المتقين من ضرورة إدراك حزن الحسين والتفجع له ، هو ما يقتضيه
مسار الكمال والتكامل في ظل الرسالة المحمدية وما بعدها ، لذلك لا يمكن الحديث عن أي
كمال وبلوغ منذ أول صوت للبعثة وحتى يطوي الله الأرض ومن عليها ، بعيد عن حزن الحسين
(ع) والتفجع له ، والتعاطي الحقيقي مع مصيبته ، وأي توصيفات للتقوى والأيمان بغير إضافة
الحسين لا حقيقة لها ، وهي مجرد توهمات وتمحلات بطرق مقطوعة.
أخيراً : لا بد من الإشارة الى أن توصيف كمال آدم (ع) ورقي شخصه ، وتوافر
الحياة على فرص الكمال ، لا ينفي تمرحل الحياة في بعدها المعرفي للطبيعة وطرق التعاطي
معها ، والتدرج في نضوج مشاريع إدارة المجتمع والاستفادة من الحياة ، فهذا مما لا شك
فيه إنه مر عبر سيرورة خبرات متراكمة ، لكن هذا الأمر لا يناقض مع كمال فرص الأيمان
والتقوى وبلوغ رتب الكمال العالية ، لأن ذاك ليس من موجبات هذا الكمال فينعكس نقصه
عليه ./ أنتهى