15
ابريل
2024
وفقا لسياسة الفستق ..تداعيات سهرة اشتعال سماء تل ابيب ! بقلم حسين الذكر
نشر منذ 2 اسابيع - عدد المشاهدات : 79

من خلال تجارب الحياة وقراءة التاريخ والاطلاع على مسار الاحداث يتضح - لكل من يعي – ان الاحداث الكبرى في كل زمان من منظومة الخلق المتحضرة لا تخضع لعنصر المفاجئة .. اذ ان القرارات الاستراتيجية ذات المحتوى الاقليمي والدولي تخضع لكثير من التدقيق والتمحيص والتشاور داخليا وخارجيا ... والخارجي هنا يعني جميع الأطراف المعنية بالحدث والمتأثرة به ضمن لائحة الحلفاء او الأعداء او الأصدقاء .. اذ تمرر المعلومات وفقا لسياقات دولية واعراف دبلوماسية وقنوات مخابراتية وان لم يعرف به الراي العام .

تابع العالم اخبار الضربة الإيرانية لإسرائيل الممتدة حتى الفجر .. واخذنا نقرأ ونشاهد ونربط ونستنتج .. وقد اتصل احد الأصدقاء – الخائف - مثلي من التداعيات ، مستفسرا عن رايي بالحدث فقلت : ( ايران دولة مؤسساتية لا تخشى احد ولا تستحي بالدفاع عن حقوقها وان كانت تحت فلسفة براغماتية بحتة .. فقد أعلنت رسميا انها سترد على حادث قنصلية الشام . ثم أعلنت بدا الضربة ببيان رسمي واضح وبعد ساعات اعلنت رسميا عبر ممثليتها في الأمم المتحدة انتهاء الضربة .. وهذا يعني انتفاء الدرس وتحقق المطلوب بالنسبة لهم وانهاء مسرح الحدث المتعلقة بهذه الجزيئية وان بقت التصريحات وردود الأفعال تدور على الالسن وبوسائل الاعلام ) .

لم يقتنع صديقي بما ادليت ، فسألني : ( ماذا تعني البراغماتية ) ، فقلت : ( ان ايران تتصرف وفقا لمصالحها التي تعد اكبر من كل اسم آخر .. بمعنى ان المصالح الوطنية متقدمة على المصالح الشخصية .. فحتى عمليات الثأر ليست عشوائية شعاراتية بل يتم التفكير فيها ضمن حدود المصالح العامة التي تعني وفقا لمفهومهم : تلقائية حفظ مصالح الأشخاص المتضررين . وقد تعاملت خلال احداث الحروب الخليجية  الثلاثة منذ 1981 حتى 2003 .. بهذه الطريقة فقد ضمنت مصالحها أولا .. وهذا لا يعني تزعزعها عن المبادي التي تؤمن وتنادي بها .. بل انها تمارس سياسة عملية تقدم فيها العام على الخاص .

فحرب الثمان سنوات لم تنته الا بعد ضمان ايران اعتراف الأمم المتحدة بانها دولة معتدى عليها والذي حصلت عليه لاحقا بقرار دولي بعد احتلال العراق للكويت التي وظفتها وتعاطت معها ايران بشكل متحضر لحماية مصالحها وبناء دولتها بما في ذلك مئات الطائرات العراقية الحربية والمدنية التي سلمت اليها بصفقة لا يعلم حقيقتها الا أصحاب القرار . ثم حدثت حرب 2003 التي تعاملت معها ايران بذات الروحية والفلسفة بعيدا عن شعارات ( بالروح بالدم نفديك كائن من كان ) .. او ( الموت لفلان وليسحق الوطن ) .. كل شيء عندهم محسوب ويصب في المصلحة العليا لبلدهم .. وهذا وحده يفسر بناء دولتهم صناعيا وزراعيا وعلميا وحضاريا ... فما زال العراق يتخبط بعصور الظلام التي وعده بها جيمس بيكر .

شاهدت فيدو نشر عبر وسائل التواصل لاحد السياسيين الخليجيين يتحدث عن زيارته لطهران ، فيقول : ( جلسنا امام الوفد الإيراني ووضعوا ضيافة – معهودة - من اجود أنواع الفستق .. وقد بدانا بتناول الفستق ) مضيفا : ( كنت اتابع المسؤول الإيراني الذي اخذ ينتقي احدى حبات الفستق وظل يقلبها ، ثم استغرق بتقشيرها وازاحة ما علق بها .. حتى قضمها بتان .. في الوقت الذي اكل أعضاء الوفد الخليجي اكثر من عشرين حبة فستق .. ظل الإيراني يتعامل بهدوء مع الفستقة بين يديه واسنانه حتى نهاية الاجتماع ) . ثم يستنتج المسؤول الخليجي من ذلك قائلا : ( الإيرانيين يتبعون سياسة الفستق مع الاخر فهم لا يبنون صداقات سريعة يرفع صاحبها الى السماء خلال مدة وجيزة .. ثم يضطرون بعد التجربة الى اسقاطه الى الحضيض .. فهم – واقصد هنا السياسي الإيراني بمختلف توجهاته وعقائده وانتمائه – لديهم مصالح ايران متقدمة على كل شيء وما الشعارات و المفاوضات الا لتحقيق هذه المصالح .

في قراءة لردود الأفعال العربية على الضربة الإيرانية التي اشتعلت بها سماء تل ابيب بانواع الخطر المحدق تبين ان اغلب الردود العربية توزعت ما بين كلمات من قبيل :( مسرحية او اتفاق سياسي او مخرج سياسي او عملية إعلامية لحفظ ماء الوجه ... وغير ذلك الكثير مما تحركه الخلفيات والمذهبيات والمصالح ..) .  لكن للحقيقة التي يعيها السياسي المتفتح .. ان حفلة سماء تل ابيب المشتعلة .. تعد يوما مثيرا ومهم على الصعيد الاستراتيجي العربي والإسلامي في صراعه مع إسرائيل والدول الغربية .. سيخضع للدراسة والبحث من قبل المهتمين بمصالح شعوبهم على طرفي النزاع ( من قبل الغربين او الإيرانيين ) وسيخرجون منه بعبر وتوصيات جديدة قد تغير معالم خارطة قوى المستقبل وجغرافيتها .. فضلا عن توصيات ودراسات واقتراحات ... تمهد للتعاطي مع هذا الحدث وتغير فلسفة الواقع بما ينسجم مع مقتضيات وقوى معززة على الأرض ومؤثرة في الميدان .. اما المتخلفون سيبقون على طول الخط يلوكون شعارات قديمة وعواطف غير مدركة لا تقدم ولا تؤخر لبلدانهم شيء ... سوى التخلف والانحطاط في زمن يقفز العالم المتحضر خطوات نحو الرقي وحفظ المصالح القومية .

 

 

 

 


صور مرفقة






أخبار متعلقة
تابعنا على الفيس بوك
استطلاع رأى

عدد الأصوات : 0

أخبار